أطلس سكوب
أطلس سكوب موقع اخباري مغربي
afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

اللامرئي في مهنة التعليم :الصمود الأخلاقي اليومي La résistance éthique quotidienne

ذ.عبد الواحد فقيهي

 

يمارس المدرس نوعا من الأخلاق لا يتم تدريسه،
أخلاق تتجسد في تفاصيل صغيرة لا ينتبه إليها أحد:
كبح غضب عابر كي لا يجرح تلميذا هشا،
تعديل نبرة صوت حتى لا تتحول إلى إهانة،
توزيع الوقت بعدل رغم استعجال البعض،
ومعاملة الجميع بمعيار واحد رغم اختلاف الطباع والسلوك.
إنه صمود لا يصدر عنه صوت، لكنه يستهلك من المدرس أكثر مما يستهلكه الشرح والتقييم.

في القسم، يواجه المدرس مواقف تستفز الحدود:
تلميذ يتعمد اختراق النظام،
وآخر يختبر صبره،
وثالث يرد بإساءة لفظية غير متوقعة.
ومع ذلك، يختار المدرس في كل مرة عدم الرد بالمثل.
يحافظ على العدل حين يلح الظلم،
ويحافظ على الرفق حين يشتد الغضب،
ويحمي الكرامة حين يناوشها التوتر.
إنه ما يسميه البعض الحكمة العملية، وهي القدرة على الإمساك بالغضب دون أن ينكسر المعنى.

الصمود الأخلاقي يظهر أيضا في قرار صغير لا يراه أحد:
التمهل قبل معاقبة تلميذ،
منح فرصة ثانية لمن لا يستحقها نظريا،
تجاوز خطأ عابر لأن خلفه حياة معقدة،
الصمت حين يكون الكلام قاسيا،
والابتسامة الهادئة حين يتوقع الجميع انفجارا.
هذه القرارات اليومية تشكل البنية العميقة للعلاقة التربوية، وتحمي صورة المدرسة في عين المتعلم أكثر من أي درس نظري.

وفي خلفية هذا كله، يعيش المدرس ميزانا داخليا لا يقل صعوبة عن أي محتوى تدريسي، حيث يزن نبرته وكلماته، وردود أفعاله، وحتى صمته…
يعرف أن كلمة واحدة قد ترفع تلميذا، وأخرى قد تكسره،
وأن العدالة ليست إجراء إداريا، بل مسؤولية أخلاقية ثقيلة.
إنه يسير في ممر مليء بالارتجاجات،
يحمل ميزانا دقيقا لا يجب أن يميل،
ويحافظ على استقامة لا يراها أحد،
ولا يعرف أحد كم هي التكلفه النفسية.

الصمود الأخلاقي هو اللامرئية التي تبقي المهنة ممكنة.
إنه جهد يومي يشبه الصلاة الصامتة:
لا يشاهده أحد، ولا يصفق له أحد،
لكنه يبني التعلم من الداخل،
ويجعل المدرس—رغم الإرهاق والضجيج—
قائدا لقيم لا تسجل في الدفاتر،
لكنها تسجل في نفوس تلاميذه لسنوات طويلة.

ذ.عبد الواحد فقيهي


تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد