استنادا إلى المقتضيات الدستورية التي تخول لكل مواطن مغربي إبداء الرأي حول قضايا الوطن، خاصة المتعلقة بالمجال التنموي في ابعاده المحلية والجهوية والوطنية.
وبناء على التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية التي تراعي الخصوصيات المحلية وترتكز على مبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.
وانطلاقا من موقعنا كباحث متخصص في تاريخ وتراث الأطلس الكبير المركزي، وانتمائنا الجغرافي والوجداني لهذا المجال وتهممنا بقضاياه المختلفة، وإسهاما منا في إثراء النقاش حول الموضوع المشار إليه أعلاه، ولكل غاية مفيدة، نقترح جملة من الأفكار والاقتراحات التي نرى أهميتها وأولويتها في هذا المشروع الواعد وهي كالآتي:
أولا: معالجة الاختلالات البيئية، خاصة مآسي اجتثاث الغطاء النباتي بالمجال الترابي لإقليم أزيلال.
قد يتساءل البعض باستغراب كبير عن سبب جعلنا للمشاكل البيئية بالإقليم أولوية الأولويات، على اعتبار أن الإقليم يعيش الهشاشة المركبة على مستوى الصحة والتعليم والتشغيل والبنية التحتية، وبالتالي فإن الاهتمام البيئي في هذه الوضعية ضرب من ضروب الترف الفكري وموضة من كماليات نحن في غنى عنها، لكن واقع الحال يوضح عكس ذلك للاعتبارات التالية:
-بلوغ لاجتثاث الغابوي بالإقليم مستويات مقلقة ومحرجة (يكفي الرجوع إلى بعض الأوصاف الواردة في المصادر التاريخية والرحلات الاستكشافية، بدء بالوزان في كتاب وصف افرقيا ومرورا بشارل دوفوكو في التعرف على المغرب وبعده ديسيكوننزاك رحلة في مجاهل الأطلس، وكذا التواريخ المحلية كالدرة الجليلة للخليفيتي، والتسلي للغجدامي.. ليتضح أن مجال الأطلس الكبير المركزي كان غطائه النباتي كثيفا ووحيشه وفيرا ).
-نتج عن هذا الاجتثاث والاستغلال المفرط، بل الإجرام في حق الغابة أحيانا، خللا عاما في بنيات الأطلس الطبيعية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية من مظاهره: فيضانات الأودية ( فيضانات عالية واد لخضر وما تسببت فيها مؤخرا من ضياع للمحاصيل الزراعية ودور السكن بايت بوكماز وآيت عباس…) وكذلك انجراف غير مسبوق للتربة، مما أدى إلى ضياع مساحات مهمة مخصصة للزراعة والرعي في السفوح، ناهيك عن توحل السدود بالإقليم، هذا بالإضافة إلى ضياع مخزون مائي مهم بسبب سرعة جريان الأودية والشعاب والمسيلات، كانت ستحد منه كثافة الغطاء النباتي لو توافر بشكل جيد.
-أمام هذه الاختلالات البيئية، تعالت مطالب الساكنة ببناء سدود تلية، أي البحث عن الحلول الجاهزة، لكنها غير مجدية في نظرنا، فكم من سد تلي يلزمنا لكبح ومحاصرة آلاف الشعاب والوديان بالإقليم؟ وكم يلزمنا من تكلفة مالية لهذه السدود؟
لقد سارعت الدولة عبر مؤسساتها المعنية إلى تقديم دعم مالي مهم لمربي الماشية (الكسابة) لغاية الحفاظ على القطيع والتشجيع على الاستثمار في هذا المجال، لكن لا أحد طرح السؤال حول كلأ هذا القطيع المزمع الحفاظ عليه وضمان تكاثره؟ وأين سترعى قطعان الماعز والأغنام في مجال استنزف غطائه النباتي؟ والأدهى من ذلك، أن أصنافا من الأشجار الأصلية والمعمرة بالأطلس والتي تشكل هوتتيه المشهدية قد انقرضت دون رجعة.
سارعت الدولة عبر مؤسساتها اللامركزية، إلى تشجيع التعاونيات التي تشتغل على بيع المنتوجات المجالية، وقد تفرخ بإقليم أزيلال في الآونة الأخيرة عدد كبير من هذه التعاونيات، بل شيد لها مركز أنيق وسط مدينة أزيلال، لأجل تسويق منتجاتها، لكن لا أحد تساءل عن مصادر منتجات هذه التعاونيات، وبحث في مسار هذه المنتجات بدء بمرحلة جنيها وقطفها إلى غاية تقديمها في الرفوف الزجاجية الأنيقة. لا أحد بحث عن الأساليب المعتمدة مثلا في جمع “نبتة الزعتر”، وهي أساليب ترقى إلى فعل جرمي في حق هذه النبتة، حيث تقلع في الغالب من جذورها، فأي استدامة لهذه المشاريع في ضل هذه العلاقة المختلة بين الطبيعة والمستغل والمنتج والمستهلك؟
لهذه الاعتبارات، نقترح على القطاعات المعنية ببرامج الجيل الجديد للتنمية بالإقليم، الاعتكاف على مشروع بيئي كبير متكامل عبر تخصيص موارد مالية معقولة لإعادة تشجير سفوح الأطلس، عوض التفكير في بناء سدود تلية ومقرات لتسويق منتجات تستزف دون تعويض مصادرها.. وهذا من شأنه خلق مناصب آنية ومباشرة مهمة للساكنة المحلية، بشرط أن يتم فرض تشغيل نسبة معقولة من الساكنة المحلية على المقاولات التي ستشتغل في هذا المشروع، مع ضرورة إشراك خبراء البيئة في عملية اختيار الأشجار التي ستتلاءم مع طبيعة مجال الأطلس (أي الأصناف الجديدة) مع ضرورة الحفاظ على ما تبقى من الأصناف الأصلية المعمرة. وهكذا سنكون من خلال هذا المشروع الواعد، خلق مناصب الشغل والمساهمة في تشغيل أبناء الإقليم، وهي من المطالب الأساسية للساكنة، وفي نفس الوقت نكون قد أسسنا لاستدامة بيئية واقتصادية واجتماعية واعدة، من نتائجها، ضمان استقرار الساكنة، والمحافظة على الموارد المائية، ومراعي خصبة للمواشي، ومورد مستدام لمنتوجات التعاونيات التي تشتغل في مجال المنتوجات المجالية، هذا فضلا عن توفير مشاهد طبيعية خلابة ستوجه للاستهلاك والاستثمار السياحي.
ثانيا: مشروع ربط الإقليم بالجنوب والشمال
من خلال التفكير في بناء طريق بموصفات جيدة، تخترق الأطلس الكبير المركزي نحو مدن الجنوب الشرقي (ورزازات، تنغير، الراشيدية…) وكذا تقوية الطريق الرابطة بين أزيلال وبني ملال ومراكش… وهذا من شأنه خلق فرص تنموية حقيقية في مجالات حركة التجارة والأشخاص، مما سيؤدي إلى انتعاش مدينة أزيلال والمراكز المحيطة بها، حيث ستصبح نقطة لارتكاز موردي السلع نحو الجنوب، هذا فضلا عن رواج سياحي مهم.
ثالثا: التفكير في مشروع تعليمي مندمج
-من خلال الانفتاح على تجربة بناء مدارس جماعتية تزاوج بين التعليم الابتدائي والإعدادي بكل جماعات الإقليم، مع مراعاة العدالة المجالية عند تشييد المؤسسات التعليمية، فلا يعقل التحجج بالمعايير التقليدية لاختيار مقر بناء الإعدادية أو الثانوية بالجماعات الترابية وربطها بمركز هذه الجماعات، على اعتبار أن مراكز بعض هذه الجماعات بل أغلبها لا يقع وسط مجلها الجغرافي، بل يحدث في كثير من الحالات أن يقع المركز على أطراف المجال الترابي لخريطة الجماعة مما يؤدي إلى هدر الزمن المدرسي في أغلب الحالات.
-التركيز على توفير الإيواء للتلاميذ بدون استثناء قرب المؤسسات التعليمية، عوض فكرة النقل المدرسي، التي أبانت عن فشلها الكبير في تحقيق ظروف تعليم جيد للتلاميذ، إضافة إلى التكاليف الباهظة لأسطول النقل المدرسي بالإقليم.
-التفكير في خلق مدارس ومعاهد بالإقليم تقدم تكوينات في تخصصات تلائم متطلبات سوق الشغل وطنيا، وتكاوين أخرى تهم تطوير المنتوجات والمهارات المحلية، وتشجيع مراكز البحث العلمي التي تشتغل على مختلف قضايا الأطلس الثقافية والتاريخية والتراثية والسوسيواقتصادية… مع إمكانية توطين فروع البعض منها بمجال الأطلس.
رابعا: اعتماد المقاربة التشاركية والكفاءات والخبرات الموثوقة علميا في تنزيل المشاريع التنموية بالإقليم:
لكل الغايات أعلاه وما يوازيها من أفكار واقتراحات أخرى جادة وواقعية، ولأجل ضمان نجاح أي مشروع تنموي، لا بد من إشراك الساكنة المحلية المعنية بتلك المشاريع، في عملية التنزيل والتنفيذ، وتشجيع الساكنة على احتضان تلك المشاريع بخلق وتحسيسها بأهميتها بالنسبة لمستقبلها ومستقبل أبنائها. كما نشدد على ضرورة الإعتماد على كفاءات متخصصة في مجالات التنمية بأبعادها المختلفة والمتقاطعة، بحث أن كل مجال تخصصي علمي ينفتح على المجالات التخصصية الأخرى بشكل متكامل، وبالتالي فإن التنمية المندمجة لا بد أن تسير أيضا على هذا النهج، أي الاشتغال على التنمية في شموليتها وتقاطعاتها، فكل خلل في فرع من فروع التنمية سيؤثر حتما على باقي الفروع. كما نشدد على ضرورة الإلتزام بالصرامة في مراقبة المشاريع التنموية بالإقليم من قبل القطاعات والسلطات المعنية، وتفعيل قانون المحاسبة ضد السلوكات الفردية والجماعية التي تسعى إلى تحقيق المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة.
إعداد : محمد خويا (باحث في تاريخ وتراث الأطلس الكبير المركزي)