أعلام منطقة أزيلال، سيدي عبد الخليفتي مؤسس زاوية أيت خليفت ’زاوية سيدي عبد الله’ نموذجا

.

مقدمة:

عرف المغرب انتشار التصوف السني منذ فترات تاريخية قديمة ، ظهر بظهور الرباطات التي كان دورها نشر الدعوة الإسلامية وأشهر رباط عرفه المغرب، رباط عبد الله بن ياسين الذي انبتقت عنه الدعوة المرابطية .
هذه الرباطات تطورت بعد ذلك وبدأت تظهر على شكل زوايا ،كان يؤسسها أولياء والشرفاء ،والتي كانت تلعب أدوارا مهمة ،سواء كانت تعليمية أو تحكيمية أو سياسية من خلال شيوخها الذين كانوا يلعبون أدوارا مهمة داخل المجال الذي يؤسسون فيه زواياهم ،وهذا ما سنراه مع مؤسس زاوية أيت خليفت المتواجدة بمركز أزيلال ،والتي لم تخرج عن واقع التصوف في المغرب ،وسنحاول من خلال بحثنا أساسا أن نضع ترجمة لمؤسسها الشيخ سيدي عبد الله الخليفتي ،الذي كان له ثقله من خلال زاويته سواء على مستوى المجال الذي أسست فيه الزاوية أو على المستوى الوطني ،ولعلى ما يبرز ذلك هو  الاحترام والتوقير من بعض السلاطين العلويين اتجاه شيوخ هذه الزاوية ،وكذا الاهتمام الذي كانت تعرفه هذه الزاوية من طرف أحد أشهر الزوايا في المغرب وهي الزاوية الناصرية بتامكروت، خصوصا وأن زاوية أيت خليفت كانت ناصرية الطريقة ،إن سيدي عبد الله الخليفتي استطاع بالفعل تأسيس قطب صوفي مهم بمنطقة أزيلال  ،فمن هو إذن سيدي عبد الله الخليفتي.

     1الخلفتي عبد الله.
   ا نسبه:
هو عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الحق علي أبوبكر من أل الشيخ أبي شعيب أيوب دفين أزمور إذن هو من حفدة مولاي بوشعيب الرداد، وجده الأكبر بوشعيب الرداد، هو مولاي بوشعيب الرداد ،يذكر التاريخ اسمه الكامل ويعرفه  بأبي شعيب بن سعيد الصنهاجي المكنى بالسارية، وهذا لكونه كان معروفا بإطالته القيام إذا وقف للصلاة.
عاصر هذا الأخير مرحلتين أساسيتين في تاريخ الدولة المغربية ،مرحلة انهيار الدولة المرابطية ،وبداية حكم الدولة الموحدية ،وهما دولتان لعبتا أدوارا مهمة في تاريخ شمال إفريقيا وجنوب أوربا على المستوى السياسي والحضاري والديني. وفيما يتعلق بمساره التعليمي حفظ هذا الشيخ القرآن وأخذ مبادئ العلم والتصوف على الشيخ أبي النور عبد الجليل بن وركيس المشترائي الدكالي، وعبد الجليل بن ويجلان، ومحمد بن أمغار ،والمنصور بن إبراهيم المسطاسي ،وعلم القرآن بقرية يلسكوان من أرض دكالة ،فبدت عليه علامات الصلاح فأقبل على العبادة.
انتقل أبوشعيب من أزمور إلى مدينة مراكش بعد أن واجه مصاعب مع والي أزمور آنذاك وكان ذلك سنة 1147م/541ه عشية دخول الموحدين إليها،ويذكر محمد جنبوبي عن عبد الوهاب بن منصور ،أن انتقال أبي شعيب إلى مراكش كان بأمر من عبد المؤمن بن علي الذي استقدمه إلى مراكش عام 541ه لما سمع به،وهذا لرغبة منه في نصرته في التوحيد. أسس أبو شعيب لنفسه مسارا صوفيا ،أخد منه عدد مهم من الشيوخ في إطار مدرسته المعروفة برابطة الشعيبيين، والتي كان من أبرز تلامذتها أبو يعزى الهسكوري ،الذي لزم أبا شعيب مدة طويلة من الزمن كمريد و خادم.
ولد سيدي عبد الله الخليفتي يتيم الأب فكفلته أمه هو وإخوته ،الذين توفوا جميعا ،وأمه هي الخليفتية رقية ،امرأة فاضلة ،عرفت بالنسك والعبادة،كانت مجتهدة في دينها، من صلاة وصيام ،حريصة على أورادها ،ملازمة للخلوة في معظم أوقاتها ،انخرطت في سلك الطائفة الناصرية بعدما تتلمذت بدورها على يد الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي  .وجاء انتقال واستقرار أحفاد الشيخ أبا شعيب بمنطقة أزيلال إما صدفة نظرا لكونهم كانوا كثيري السفر والتنقل ينشرون التعاليم الإسلامية ، أو جاء ذلك نظرا للغزو الذي عرفته السواحل المغربية ابتدءا من القرن الرابع عشر ودخول البرتغاليين إلى أزمور. ويوجد حاليا بمنطقة أزيلال ضريح ترجعه الرواية الشفوية إلى كونه  ضريح الولي الصالح أبو بكر السكيني جد سيدي عيد الله الخليفتي.
ب  حياته:
       1 أخد الورد الناصري وتأسيس الزاوية:
يعد عبد الله الخلفتي من المتصوفة المغمورين ،لم يترجم له إلا من طرف ابنه محمد الذي خصه بترجمة في كتاب الدرة الجليلة في مناقب الخليفة ،فلم يتطرق لطفولته وشبابه وتعليمه وتنقلاته واتصاله بالطريقة الناصرية ،كان هذا الشيخ حافظا لكتاب الله تعالى ،تلقى الورد الناصري عن الشيخ أحمد بن ناصر في عام 1128ه/1716م ،فأدن له لتلقين الورد الناصري لهذا أسس زاوية خاصة به بفخدة أيت خليفت وهي فخدة من أيت أوتفركال ،المنضوية تحت لواء إتحادية أيت مصاد والتي تضم  ثلاث قبائل أخرى إلى جانب أيت أوتفركال،وهي أيت أمحمد وأيت إصحا ،هاتين القبيلتين كانتا مرتبطتين بالزاوية الحنصالية رغم كونهما من موكنات أيت مصاد،ثم هناك قبيلة أخرى وهي أيت أوكوديد  كانت مرتبطة بزاوية أيت خليفت.
  وقد كان عبد الله الخليفتي من أبرز مقدمي الطريقة الناصرية .لهذا عمل الشيوخ الناصريين من جانبهم على دعمه ،إذ وجهوا رسائل إلى قبيلة أيت أوتفركال تحت سكان القبيلة على توقيره واحترامه ،وإتباعه فيما يأمرهم به والخضوع له ،كان عبد الله الخليفتي راسخ القدم في التصوف والعبادة،إذ كان كثير الصيام فقد كان يوالي صيام رجب وشعبان ،بالإضافة إلى ستة أيام من شوال وأربعة أيام من  كل أسبوع ،وقد كان يكثر من قيام الليل ومن أعمال البر ،عاكفا على تلاوة  القرآن والذكر.
      2 التأثير الاجتماعي للشيخ سيدي عبد الله الخليفتي :
كان للشيخ سيدي عبد الله ادوار اجتماعية مهمة داخل فخدة أيت خليفت بشكل خاص وأيت أوتفركال بشكل عام ،فقد كان يطعم الطعام ،ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،ويلعب دور الوساطة والتحكيم سواء بين الأشخاص أو بين القبائل  ،كما كان يعمل على ردع قطاع الطرق ،بل أن أكثر من ذلك كان يعمل على خفارة الكثير ممن يرتاد تلك المنطقة ،خصوصا عندما تشتد المجاعات التي كانت تجتاح المنطقة بشكل دوري ،هذا ما ساهم في رفع موارد خزينة الزاوية ،إذ كان الناس الذين يعقد لهم العافية والذين يخفرهم ،يقدمون  الهدايا إلى الزاوية ،بذلك صارت الزاوية ملجأ للمعوزين والمحتاجين الذين يلتجئون إليها في الأزمات.
      3 دور سيدي عبد الله التعليمي :
اشتهر سيدي عبد الله إلى جانب كونه متصوفا ،كان كذلك عالما محبا لأهل العلم، بل اشتهر كعالم له مؤلفات ونوازل ،وقد ذكر ابنه أنه كان يملك خزانة مهمة ،وكان له نساخ ينسخون له الكتب من بينهم محمد بن أبي القاسم الهوزالي ،وهو من علماء هنتيفة ،كانت تربطه بسيدي عبد الله علاقة التلمذة ،فقد عكف أبو القاسم الهوزالي مدة بأيت خليفت ينسخ له الكتب ،إذ كانت جميع تقاييد الخليفتي بيده ،وظل هناك حتى وفاته ته سنة 1155/1742.
كان كذلك للخليفتي مجلس خاص بالزاوية ،يقوم فيه بالتدريس ومن أشهر تلامذته ابنه محمد بن عبد الله الخليفتي،صاحب الدرة الجليلة في مناقب الخليفة.  
خلف الخليفتي مؤلفات عديدة منها ما هو مفقود،مثل تحفة الأسرار في ذكر الصالحين الأخيار الأبرار،مجموع الفوائد في أحكام النوازل ،الدرر اللوامع في ذكر من لقي فيها من الأفاضل الأعلام ،ثم كتاب الدرة الجليلة الذي ينسب إلى ولده محمد.توفي سيدي عبد الله الخليفتي يوم الثلاثاء  29صكفر عام 1196/1782.

                      محمد مرشيش:طالب باحث متخصص في التاريخ والتراث الجهوي