نبيل اليحياوي
في مشهد يعيد إلى الأذهان صور النضال القروي الصامت، خرجت ساكنة دوار تونزرفت، التابع لجماعة آيت أومديس بإقليم أزيلال، في مسيرة احتجاجية على الأقدام في اتجاه ورزازات، احتجاجًا على ما وصفوه بالعزلة القاتلة والتهميش المزمن الذي يخنق المنطقة منذ سنوات.
يعيش سكان هذا الدوار الجبلي، الذي يطل على طبيعة ساحرة بقدر ما هي قاسية، معاناة يومية تتجدد مع كل فصل شتاء. الأمطار والثلوج تحول المسالك الوعرة أصلاً إلى كتل من الطين، فيما تتحول الوديان إلى مصائد طبيعية تعزل السكان وتمنع عنهم أبسط مقومات الحياة.
في عام 2025، عام يُفترض أنه عام التطور والتقدم، تُحمل امرأة من تونزرفت على نعش خشبي مهين، ليس لسبب سوى أن الطريق انقطعت بسبب وادٍ غاضب.
في رسالة مفتوحة وجهها أبناء تونزرفت إلى المسؤولين، تحدثوا بمرارة عن غياب الطريق، وهو المطلب الذي يقف على رأس قائمة الاحتياجات. فالدوار لا يتوفر على طريق معبدة تربطه بالمراكز الأساسية، مما يجعل الوصول إلى المدرسة أو المستشفى أو حتى السوق الأسبوعي تحديًا يوميًا، بل خطرًا على الحياة في كثير من الأحيان.
“لا نطلب المستحيل، بل نطالب بحقنا في الحياة”، تقول الرسالة، مشيرة إلى الوضع الصحي المتدهور، وغياب المستشفى ووسائل الإسعاف، ما يجعل النساء الحوامل والمرضى في مواجهة مباشرة مع الموت في انتظار وسيلة تنقل تنقذهم.
هذه المسيرة، التي اختارت السلمية أسلوبًا، هي صرخة من الأعماق، ومنبه جديد للجهات المسؤولة بأن ساكنة الجبال ليست خارج التاريخ، وأن التنمية لا تكتمل إلا حين تصل إلى أقصى القرى وأكثرها عزلة.
إن صوت توانزرفت اليوم لا يجب أن يُقابل بالتجاهل، بل يستحق أن يُصغى إليه باهتمام، لأن الكرامة لا يمكن أن تُجزأ، ولأن الطريق إلى ورزازات ليست فقط جغرافية، بل إنسانية بالدرجة الأولى.
