بقلم/جمال اسكى
قمت بزيارة لجبال الأطلس المركزي لتجربة حياة الماعز، والوقوف على مدى صحة المعاناة التي يدعي البعض أن “شعب ما وراء الشانطي” يعيشها هناك. كانت مفاجأتي كبيرة.. كانت صدمتي مزلزلة.. فقد كانت مجرد ادعاءات كاذبة.. مجرد إشاعات مغرضة ممن يرتدون النظارات السوداء، ولا يرون من كأس العصير الكبير إلا جزءه الفارغ.
أول ما يفند ادعاءات المغرضين هو كرم أهل الجبال.. تلقي عليهم التحية فيسألونك: كشم أداك نعمر أتاي( تفضل لاحتساء الشاي).. تسأل آخر كي يدلك على الطريق فيلح عليك كي تشاركه طعام الغداء.. منطقيا، لو كان هؤلاء فقراء، هل كانوا سيصرون على مشاركتهم قوتهم وقوت عيالهم؟ اذهب إلى حي راقي بالرباط، مثلا، حيث نسبة الفقر مرتفعة جدا، وانظر هل سيمنحك أحدهم مجرد رشفة ماء؟ سيطلقون عليك كلاب “البيتبول” لأن الفقر قد أفقرهم وأبقى لهم فقط “تاكلبونيت”.
لماذا سكان الجبال لا يتوفرون على مستشفيات مجهزة لعلاج المرضى؟ يسأل جاهل. والجواب بسيط، لو كنتم تعلمون: هؤلاء الناس يملكون مناعة غير طبيعية، وبالتالي لا تصيبهم الأمراض ولا يتأثرون بسم الأفاعي والعقارب وضربات الشمس والزمهرير… فأجدادهم كانوا يتعايشون مع الديناصورات العملاقة، فهل سيشعرون بلدغات “البخاخش”؟ وفعلا، فقد أصابني “الجري السريع” بمجرد شرب ماء الصنبور هناك، ولولا أن عالجت الأمر ب”الكامون” لتركت خلفي مصراني الرقيق هناك. هل شعروا، هم، بشيء؟ طبعا لا. فمناعتهم أقوى من أي مرض.
ماذا عن الحالة المزرية للطريق؟ يسأل عميل آخر. أولا الطريق الإسمنتية الإسفلتية بدعة منكرة. فقد أكدت النقوش الحجرية التي تركها أسلاف سكان الجبال أنهم كانوا يعرفون ب”شعب ما وراء الشانطي”، أي أنهم لم يكونوا يعرفون “الشانطي” إلا عن طريق المستعمر الغاشم. ولما رحل، كان يجب أن ترحل معه ثقافة “الزفت” والعودة إلى طرق القوافل التجارية البغلية والحمارية. وقد اقتربنا من تحقيق ذلك، ف”الشانطي” بدأت تتآكل، كما تتآكل “الحرشة” من أطرافها، وبقي فيها السطر الأخير، والحكمة تقول: لا تقلب الصفحة قبل أن تقرأ سطر “الشانطي” الأخير لأنه قد يكون آخر سطر تقرؤه في حياتك. ولقد حققنا، في مقاطع كثيرة طويلة، نسبة محو آثار “الكودرون” بنسبة مائة بالمائة وهو إنجاز لا يراه المشوشون.
وماذا تقول في بعد المدارس عن الأطفال في الأدغال؟ يسأل قلم مأجور. شكرا أنك طرحت هذا السؤال لكي أوضح، لمن يحتاج إلى توضيح، بأن المدرسة أصلا مضيعة للوقت والجهد والعمر. بالله عليك، أنظر إلى المشاهير والمؤثرين و السياسيين وأصحاب المال والنفوذ، هل درسوا؟ هل قضوا زهرة عمرهم بين جدران المدارس الكئيبة؟ هل حملوا في حياتهم، قط، أطنانا من الكتب والأدوات، على ظهورهم السمينة؟ لماذا تريدون من أبناء الجبال أن يدرسوا إذن؟
بعد هذا التحقيق الميداني، تأكدت أن سكان الشريط الجبلي يعيشون في بحبوحة ورفاهية، وأن ما يعتبره البعض “غياب حقوق إنسانية أساسية” ليس إلا محض افتراء وهراء. فسكان الجبال يعشقون المشي، لساعات وأيام، على الأقدام ولا يحتاجون “الشانطي” لأن “الزفت” مضر بالبيئة. لا يحتاجون لا الطبيب ولا الممرضة، لأنهم يملكون مناعة استثنائية، وإذا مرضوا يتداوون بالأعشاب المنتشرة هناك. لا يحتاجون المدارس، لأن المدرسة تعلم العجز والكسل وتخرج المعطلين والفقراء، وهم أغنياء لا يقبلون بذلك. لا يحتاجون “الريزو” و”الكونيكسيون” لأنهم يفضلون التواصل المباشر في الأسواق والحقول والمناداة عبر صدى الجبال عوض استعمال الأجهزة التكنولوجية الغبية الصماء.. فهل اقتنعتم، الآن مثلي، يا ترى؟
afterheader desktop
afterheader desktop
after Header Mobile
after Header Mobile
تعليقات الزوار