أطلس سكوب
أطلس سكوب موقع اخباري مغربي
afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

ندوة تربوية بأزيلال تُلامس تجديد درس التاريخ بالثانوي وتستحضر البعد الإنساني في قلب الفعل التربوي(فيديو)

أطلس سكوب ـ أزيلال

منذ الساعات الأولى للصباح، عرف بهو المركب الثقافي توافد عشرات الأستاذات والأساتذة والمفتشين والممارسين التربويين، في مشهد عكس مدى الاهتمام الكبير بهذا الموضوع الدقيق الذي أصبح يشكل محوراً مركزياً في نقاشات إصلاح المناهج. وقد ميّز الأجواء حضور وازن لمختلف مكونات الأسرة التعليمية، ممن حملوا معهم حماسا واضحا ورغبة في تجديد الرؤى حول درس التاريخ، وتجاوز المقاربات التقليدية التي تختزل الدرس في نقل المعرفة أو الاكتفاء بالسرد الزمني للأحداث.

بعد استقبال المشاركين، افتُتحت الجلسة الافتتاحية بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبتها تلاوة النشيد الوطني، الذي منح للقاء طابعا رسميا يليق بقيمة الموضوع المطروح للنقاش. وفي كلمته الافتتاحية، أكد ممثل المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، السيد مصطفى عابيد، أن درس التاريخ لم يعد يقتصر على استحضار وقائع الماضي، بل أصبح اليوم مجالا لتكوين التفكير النقدي لدى المتعلم، وتمكينه من تحليل التحولات الكبرى وفهم السياقات التي شكلت مسار المجتمعات عبر الزمن. وأضاف أن تجديد الديداكتيك التاريخي أضحى رهانا أساسيا لتحسين جودة التعلمات، وإرساء نموذج تدريسي يربط المعرفة التاريخية بالواقع المعيش للمتعلمين.

ومن جانبه، شدّد الأستاذ يونس بوحسين مفتش تخصصي لمادة الاجتماعيات في كلمة باسم المفتشية الإقليمية على أن تحديث درس التاريخ يستدعي انفتاحاً أوسع على البحوث الحديثة في مجال ديداكتيك المواد الاجتماعية، واعتماد مقاربات جديدة تُعيد للزمن التاريخي مكانته كأداة لفهم التحولات، بدل النظر إليه كإطار صوري جامد. واعتبروا أن بناء المعنى هو جوهر الدرس التاريخي، وأن المدرّس اليوم مطالب بجعل المتعلم شريكاً في تشييد الفهم التاريخي، لا مجرد متلقٍ لمعطيات جاهزة. ووجه الأستاذ يونس بوحسين شكره لكل من ساهم في إنجاح الندوة ، وخص بالذكر، المديرية الإقليمية للتربية الوطنية وجماعة أزيلال والمركز الثقافي لأزيلال واللجنة المنظمة للندوة.

وقدّمت اللجنة التنظيمية كلمة ترحيبية تلاها الأستاذ زايد جغني أبرز من خلالها أن هذه الندوة ليست مجرد نشاط تكويني عابر، بل محطة تراكمية ضمن مسار تجديد الممارسات الصفية، وإرساء ثقافة تربوية قوامها الحوار، وتبادل الخبرات، واعتماد الدليل العلمي في تطوير مهنة التدريس. وأكدت أن الاشتغال على الزمن التاريخي أصبح ضرورة تربوية، بالنظر إلى دوره في بناء التفكير التاريخي وربط الأحداث بمنطق التحول والاستمرارية.

بعد الجلسة الافتتاحية، انطلقت الجلسة العلمية الأولى، التي شارك فيها ثلة من الباحثين والخبراء في علوم التربية وتكوين المفتشين:
– الدكتور شكير عكي، أستاذ التعليم العالي بمركز تكوين مفتشي التعليم،
– الدكتور محمد صهود، أستاذ التعليم العالي بكلية علوم التربية،
– الأستاذ حسن شكير، مفتش تربوي ومنسق جهوي تخصصي سابق لمواد الاجتماعيات،
ويسّر اللقاء المفتش التربوي عبد الفتاح أيت ادرى.

قدّم الدكتور صهود والدكتور عكي مداخلة مشتركة حول موضوع التحقيب والتفسير في التاريخ، حيث شددا على أن التحقيب ليس مجرد تصنيف للأحداث داخل وحدات زمنية جاهزة، بل هو بناء منهجي وفكري يستند إلى عمليات تحليلية تجعل المتعلم قادراً على إدراك منطق التحول التاريخي. وأكدا أن غياب هذا التصور البنائي يجعل درس التاريخ يفقد عمقه، ويحوّله إلى مجرد سرد غير مؤسس على فهم السياقات.

أما المداخلة الثانية، التي قدمها المفتش التربوي حسن شكير، فقد سلطت الضوء على البعد القيمي للتاريخ، بوصفه مجالا لتربية المتعلم على قيم المواطنة والحرية والعدالة والمسؤولية. واعتبر أن فهم الماضي ليس غاية في حد ذاته، بل أداة لقراءة الحاضر واستيعاب التحديات المطروحة أمام الأجيال الجديدة.

وقد شكلت لحظة النقاش محطة بارزة في هذا اللقاء، حيث انخرط الأستاذات والأساتذة في نقاش مهني ثري، طرحوا خلاله إشكالات مرتبطة بتدريس الزمن التاريخي، وتحديات تغيير الممارسات الصفية نحو نموذج يقوم على التحليل والتأويل، وتفعيل التعلم الذاتي وتوظيف الوثيقة التاريخية.

وعرفت الندوة لحظة إنسانية مؤثرة، بعد انسحاب المفتش يونس بوحسين إثر توصله بنبأ وفاة والده، رحمه الله. وقد نزل الخبر كالصاعقة على زملائه، فتوقفت الأشغال لقراءة الفاتحة ترحماً على روح والده، وعلى روح الأستاذ الراحل ياسين أمين الذي وافته المنية مؤخراً في حادثة سير مأساوية على طريق أيت اعتاب. وكان هذا الموقف تعبيراً بليغاً عن القيم الإنسانية التي تؤطر الفعل التربوي، وتؤكد أن المدرسة فضاء للعلم كما هي فضاء للتضامن والمواساة.

واختُتمت الندوة بتوقيع عدد من الكتب المرجعية في ديداكتيك التاريخ، في خطوة تستهدف تعزيز القراءة المهنية لدى المدرّسين، وترسيخ ثقافة التكوين المستمر.

وقد عبّر المشاركون عن ارتياحهم الكبير لمستوى النقاش العلمي وجودة التنظيم، معتبرين هذه المحطة لبنة أساسية في مسار تجديد درس التاريخ بالمرحلة الثانوية، بما يعيد للدرس التاريخي دوره في تكوين مواطن قادر على فهم الماضي، واستيعاب الحاضر، واستشراف المستقبل بكفايات تحليلية راسخة وروح نقدية مسؤولة.

 


تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد