نبيل اليحياوي
لم يكن صباح ذلك اليوم عاديًا داخل المركز الصحي بالحي الإداري بقلعة السراغنة. المكان الذي يفترض أن يكون فضاءً للشفاء والرعاية، تحول في لحظة خاطفة إلى مسرح صراع جسدي انتهى بإصابات بالغة، وطرح سؤالًا مؤلمًا حول واقع العنف في المرافق الصحية.
داخل إحدى قاعات الفحص، حيث تتشابك أنفاس المرضى مع خطوات الأطباء والممرضين، اشتد الخلاف بين ممرض مكلف بالقيام بواجبه، ودركي حمل ابنه المريض باحثًا عن علاج مستعجل. بين رغبة الأب في تجاوز الطابور وتسريع فحص ابنه، والتزام الممرض بترتيب الحالات وفق الأولوية، تصاعدت نبرة الحديث، قبل أن يتحول فجأة إلى اشتباك عنيف قلب المكان رأسًا على عقب.
لم يكن الممرض يعلم أن يومه سينتهي بإصابات خطيرة: كسر مزدوج في الرجل، وكسر ثلاثي في الوجه، ناهيك عن الأضرار المادية التي طالت مكتبه. أما الدركي، فقد وجد نفسه طرفًا في واقعة انتهت به في قسم الطوارئ إلى جانب من كان قبل لحظات قليلة في خصام معه.
ما إن انتشر الخبر، حتى تحركت الشرطة القضائية لفتح تحقيق معمق في القضية، كما قامت بتفريغ تسجيلات كاميرات المراقبة داخل المستوصف للوقوف على حقيقة ما جرى وتحديد المسؤوليات.
على الضفة الأخرى، لم يقف زملاء الممرض مكتوفي الأيدي. خرجوا في مسيرة غاضبة، انطلقت من المستشفى الإقليمي نحو المركز الصحي، هاتفين بشعارات تندد بالاعتداءات التي تطال الأطر الصحية: “هي نار الإداري نار قوية غاتشعل”. غضبهم كان يحمل في طياته أكثر من مجرد تضامن مع زميلهم المصاب؛ كان صرخة في وجه واقع يزداد تعقيدًا داخل المستشفيات والمراكز الصحية.
المشهد داخل المستشفى الإقليمي كان أشبه بفصل من دراما يومية يعيشها العاملون في قطاع الصحة. الممرض والدركي، رغم خلافهما العنيف، وجدا نفسيهما في نفس الوضع: مستلقيان على أسرة المستشفى، ينتظران فحوصاتهما الطبية وسط مراقبة رجال الشرطة.
في ظل هذا التصعيد، تتكرر نفس المطالب: حماية الأطر الصحية، ووضع آليات صارمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. لكن يبقى السؤال المؤرق معلقًا: متى تتحول المؤسسات الصحية إلى فضاءات للرحمة بدل أن تكون ساحات للصراع؟