محمد مرشيش طالب باحث متخصص في التاريخ والتراث الجهوي
لم يخرج احتلال مجال أيت مصاد ونواحيه عن السياق العام للعملية الاستعمارية، فقد جاءت الرغبة في غزو هذه المنطقة منذ البدايات الأولى للاحتلال نظرا لموقعه الإستراتيجي ذو الطابع التضاريسي الوعر الذي كان أحد البؤر التي كانت تحتضن المجاهدين ضد الاحتلال، و كان بذلك من بين مراكز الثوثر التي كانت تقلق المستعمر شأنها في ذلك شأن كل مناطق الأطلس والريف، وإن خضوع هذا المجال الذي كانت قبائله تقود مقاومة شرسة ضد المستعمر، لم يكن بيد المستعمر الفرنسي لوحده بل كان كذلك بيد باشا مراكش، المدني في بادئ الأمر والتهامي فيما بعد، شقيقان أنهكا القبائل والمجاهدين في المواجهات التي كانت تدور بين الطرفين، خاصة وأنهم كانوا متمرسين في القتال في المناطق الوعرة التضاريس عكس الفرنسيين الذين كانوا في غالب الأحيان يعملون فقط على تسيير الحملات أو استعمال الأسلحة المتطورة كالمدافع عندما تكون المعارك ضارية، وعندما تكون الكفة في ساحة المعركة مائلة لصالح المقاومين على حساب كلاوى، الذين لعبوا دورا هاما في قهر المجاهدين، وإلى جانب كون المستعمر اعتمد على سياسة إقحام جيش كلاوى في المعارك عوضا عن جيشه لتجنب خسائر كبيرة في صفوفه، فإنه اعتمد إيديولوجية التهدئة، وسياسة الاستقطاب، وكذا إستراتيجية التمييز بين القبائل ذات الأحكام العرفية والقبائل ذات الأحكام الشرعية.
1 إيديولوجية التهدئة:
كانت السلطات الاستعمارية في ظل حملاتها، تتبنى إديلوجية تحاول من خلالها إضفاء الشرعية على تدخلها الاستعماري، تتجلى في جعل تدخلها المسلح عبارة عن تهدئة وإخمادا للفتن، ولا تعتبره احتلالا أو استعمارا، فقد كانوا يعتبرون أن قبائل المنطقة، قبائل تخلق الفتن والمشاكل وأنها خارج عن طاعة المخزن وجب ردعها وإخضاعها، وبذلك كانوا يطلقون على المناطق التي تستوطنها القبائل الأطلسية مناطق “السيبة”، يقول محمد الغجدامي في وصفه للمقاومين الذين كانوا يهاجمون محلة الكلاوي والمحلة الفرنسية بعد الدخول إلى أزيلال ” أما القتال فإذا جاء الليل وأظلم الحال، يضرب السياب الفرنسيس …” وغالبا ما نجد الكتابات الكلونيالية ما تتحدث عن العمليات العسكرية للمستعمر على أنها تهدئة، وهنا نستحضر كتاب “أيت عطا الصحراء وتهدئة درعة العليا” لجورج سبيلمان، كما نستحضر كذلك كتاب ” تهدئة الأطلس المركزي” للجنرال كيوم.
2 كلاوى دور كبير في إخضاع مجال أيت مصاد:
جاء التوجه إلى مركز أزيلال ” خميس أيتم مصاد” من طرف الفرقة المتنقلة لمراكش و حركات المدني الكلاوي والقائد صالح أوراغ وعبد الله أوشطو، بعد أن تم إخضاع منطقة تنانت، وقد كان التوجه إلى أزيلال يوم 27 أكتوبر سنة 1916، كانت هذه الحملة بقيادة الجنرال دولاموط وتتكون من 1340 فرنسي و1181جزائريا وسنغاليا و1972جنديا مغربيا ،و7000جندي من المساندين، وكانت مجهزة بمختلف الأسلحة المتطورة آنذاك من مدافع ورشاشات وقد واجهت في طريقها إلى أزيلال مقاومة شرسة، ولعل ما يبرز هذا هو معركة إمي نزمايز ،التي تكبد فيها المستعمر خسائر فادحة، فلولا استعماله للمدافع لما خرج منتصرا من هذه المعركة ،
– وهنا سأعطي نموذج تكوين الفرقة الفرنسية المتقلة بالأطلس المركزي:
– ضابط واحد جنرال أو ضابط سامي رئيس فرقة.
– قيادة عليا واحدة من 3 أو 4 ضباط.
– ست إلى سبع كتائب من المشاة.
– فرقة واحدة أو فرقتان من الفرسان.
– فرقة واحدة إلى فرقتي مدفعية ذات عيار 65 و75.
– سرب واحد أو سربان من الطائرات.
– حركتان أو ثلاثة من المساندين تشمل كل واحدة وحدة رجال الكوم وبعض مئات من المخزنية بالاضافة إلى المساندين[22:51, 24/7/2017] Marchich Ami Samir: الذين يصل عددهم أحيانا في الحركة الواحدة 8000 رجل.
– المصالح المرافقة للقوات النظامية والمساندة من مصلحة الاتصالات اللاسلكية و مصالح الصحة والتموين والنقل والمصلحة البيطرية والخزينة والبريد والشرطة العسكرية .
في يوم 30 أكتوبر1916 وبعد قهر المقاومة من طرف المستعمر بمدافعه المتطورة وجيش الكلاوي المتمرس في القتال، دخلت الفرقة المتنقلة لمراكش إلى خميس أيت مصاد فبدأت في تأسيس مكتب أزيلال منذ 6 نونبر 1916، وخلال هذا الدخول اختار المدني الكلاوي الذي شارك في هذه الحملة بشكل فعال أن يرابط بمحلته فوق ربوة تامرزوقت، ومحلة الكلاوي كانت تقع في هذا المكان ميمنة أما المحلة المشتركة بين القائد أوراغ وأشطو تقع ميسرة، أما المحلة التي يترأسها الضابط الفرنسي فقد كانت مرابطة على مستوى مركز أزيلال، الملاحظ لهذا التوزيع للمواقع سيجد أن محلة الكلاوي والقائدين أوشطو وأوراغ من خلال مواقعها كان دورها هو حماية المحلة الفرنسية المرابطة بالمركز، فموقع تامرزوقت يسمح بمراقبة كل مجال مركز أزيلال كما يسمح بمراقبة الطرق الأتية من أيت أمحمد والتي يمكن أن تأتي عبرها فرق المقاومة التي كان يترأسها شيخ الزاوية الحنصالية سيدي محى أحنصال، والطرق الآتية من نواحي أيت عتاب والتي يمكن أن تطرقها قبائل أيت بوزيد وأيت عتاب وكذا يسمح بمراقبة مجال أكوديد الذي كانت ترابط فيه قبائل أيت أكوديد، ولهذا فالباشا المدني الكلاوي من خلال موقعه، لعب دورا أساسيا في ردع المقاومين الذين كانوا يهجمون على المحلات ليلا بشكل فجائي، وهنا يقول الحاج أحمد نجيب الدمناتي في حادثة وقعت لما هاجم المجاهدون محلة الكلاوي”…نزل من علا فرسه (الحاج المدني الكلاوي)وأخرج بندقيته يضرب بها الفساد ،لولا نهاه الضابط الفرنسي خوفا عليه من القتل أو الأسر ،لأنه كان يقدر ماله من مكانة ونفوذ في عمليات تطويع قبائل تلك الجهة .” إذن يتبين من خلال هذا الكلام، أن للحاج المدني الكلاوي مكانة كبيرة لذا الفرنسيين، فقوته ودعمه لهم ستساعدهم في إخضاع جميع قبائل المنطقة، وبالتالي كانوا على وعي بعدم التفريط في رجل بيديه مفتاح السيطرة على مختلف مناطق أزيلال، وفي إطار القوة التي كان يتميز بها الكلاوي، يقول كوستاف بابان: “إنه محارب عظيم، وقائد حركات، وضع منذ 1912 كفاءاته في خدمة فرنسا ” من خلال هذا الكلام كذلك تتبين لنا القيمة المضافة للحملات الفرنسية التي كان يشارك فيها كلاوى، بمعنى أن هؤلاء ساهموا بشكل كبير في استكمال احتلال المغرب منذ بدية الحماية سنة 1912.
وبعد فرض السيطرة على خميس أيت مصاد، قرر المستعمر التوجه نحو مناطق أخرى، ففي يوم 24 نونبر 1916 توجهت الفرقة المتنقلة لمراكش، وكانت تتكون من 12 فرقة ووحدتين جويتين تدعمهما حركات المدني الكلاوي وصالح أوراغ وعبد الله أوشطو وبعض المساندين من أيت مصاد، نحو الشرق حيث بلغت الحملة مجال أيت أوكوديد، والمرتفعات المشرفة على واويزغت والحوض الأعلى لواد العبيد، ثم عادة إلى خميس أيت مصاد، وقد كان الهدف من هذه الحملة محاولة القضاء على جيوب المقاومة في أكوديد ، الذي قاد سكانه مقاومة شرسة ضد المحتل استمرت حتى سنة 1923.
وفي سنة 1918 قاد المستعمر الفرنسي حملة على منطقة أيت أمحمد، انطلقت من مركز أزيلال ” خميس أيتم مصاد”، وقد شارك في هذه الحملة قبائل أيت أوتفركال الخاضعة وكان دورها ضمان الأمن للفرقة المتنقلة لمراكش التي نزلت في تيسا من 3 إلى 9 غشت 1918، فقد كان المستعمر دائما يعمل على تجنيد بعض عناصر القبائل الخاضعة للمشاركة في حملاته على المناطق التي لم تخضع بعد ، يقول كيوم” وفي مقابل ذلك لم نتردد في اللجوء إلى القبائل البربرية غداة خضوعها مباشرة، فكل وثبة إلى الأمام تكسب صفوفنا عناصر ممتازة، وفي نفس الوقت فإن رغبتنا المشروعة في الحد من الخسائر بين قواتنا النظامية تحثنا على أن نستخدم القوات الإضافية على نطاق واسع” ، ثم عبرت إلى موقع برنات فخيمت فيه يوم الثلاثاء 11شوال 1336/1918، وفي هذا الموقع وزعت الأدوار على مكونات الحملة، التي شارك فيها الباشا المدني الكلاوي بشكل بارز.
وقد جعل توزيع الأدوار، حركة المدني الكلاوي وأوشطو وأوراغ تعسكر على الروابي المشرفة على أيت أمحمد، بينما الجيش الفرنسي احتل المنطقة المنخفضة ، مما جعله في منأى عن ضربات المقاومين وهي الخطة التي كان يعتمدها الفرنسيون في معظم حملاتهم، فالمستعمر كان دائما يحاول عدم الدخول بشكل مباشر في المعارك، بل يعمل على محاولة الخروج منها بأقل الخسائر، فقد كانت مهمة الفرنسيين خلال هذه الحملة فقط، حماية الدواب التي كانت تحمل المؤن وحماية الحملة من الخلف، أما قلب المعركة كان فيه الكلاوي وجنوده ما جعل هذا الأخير يتلقى خسائر كبيرة، ليس فقط في هذه الحملة بل في كل الحملات التي شارك فيها.
خلال هذه المعركة واجهت الحملة مقاومة شرسة من طرف المجاهدين، كان فيها الكلاوي المتضرر الأكبر، نظرا لكون محلته كانت تسير قريبة من الغابة التي كانت تحتضن المجاهدين ما جعله تحت ضرباتهم المباشرة، وقد استمر القتال بين الكلاوي والمقاومين حوالي ساعتين . وخلال هذه الحملة قتل ابن الباشا، أثناء قيامه بعملية استطلاعية ، فقد أصيب عبد المالك الكلاوي وهو خليفة أبيه على دمنات برصاصة أسفل سرته، وحمل على إثر ذلك إلى مركز أزيلال، إذ فحصه الطبيب الفرنسي هناك، فوجد أن إصابته بليغة وهي كفيلة بقتله وهذا ما حدث بالضبط إذ توفي بعد ساعتين من وصوله إلى المركز. وبذلك انتهت هاته الحملة دون إخضاع أيت أمحمد، إذ رجع الباشا المدني قافلا إلى مراكش، في حين عادت المحلة الفرنسية لترابط بخميس أيت مصاد، وبعد بضعة أيام توفي الباشا من كثرة حزنه على ابنه، وقد توفي بالضبط في 8 ذي القعدة سنة 1336/1918، يقول الحاج أحمد نجيب الدمناتي “…قال كاتبه العلامة السيد محمد الغجدامي :لما قفل الفقيه راجعا إلى مقر سكناه بمراكش، أمرني أن ألحق به في مراكش ، فوصله يوم الأحد، وفي الغد الاثنين تتوارد عليه قبائل الحوز ووجهاؤهم ،يقدمون تعزياتهم ،في ولده السيد عبد المالك ،وفي يوم الثلاثاء ابتدأه المرض، فلم يخرج للناس، وبعد مضي ثمانية أيام من أوائل ذي القعدة الحرام من عام 1336، صار هذا الرجل العظيم إلى عفو الله ورحمته ،الله أكبر ، طويت صحيفته المليئة بالأحداث الله أكبر هكذا تنقضي الأعمار ،بانقضاء الآجال ،فارتجت البلاد كلها لموته…”
بعد ذلك وبعد تولي التهامي زمام الأمور فكر هو الأخر في شن حملة أخرى على أيت محمد ونواحيها من أجل إخضاعها بعد أن فشل أخوه في ذلك، وقد كان محركه الأساس في ذلك هو الانتقام من قائد المقاومة خلال هذه المرحلة شيخ الزاوية الحنصالية سيدي محى أحنصال، هنا يقول كوستاف بابان: “…وسيستمر هذا الولي سدا منيعا في وجه الحاج التهامي ،بدوره يصد جميع محاولاته للتوسع باتجاه الجنوب ،مما زاد من تأجيج حقد كلاوى عليه، ولذلك فما أن بدأ الإعداد، من جديد لمشروع القضاء على سيدي محا ،الذي سبق أن أجهض في عام 1918، حتى بادر الكلاوي إلى الضغط بكل قواه ومكائده،على الذين كانوا يسهرون على إعداد الفيلق الموجه لهذا الغرض ،من أجل الإيكال إليه بقيادته.وعندما سلم اللواء خطة العمليات مترجمة إلى العربية للباشا الكلاوي ،ضم هذا الأخير إلى صدره تلك الرزمة من الأوراق وكأنه يحضن طلسما سيجعله سيد العالم …” هذا الكلام يذل على أن التهامي كان عازما على القضاء على سيدي محى أحنصال والسيطرة على المجال لذي يمتد عليه نفوذه، فقد كان هذا الأخير يشكل حجر عتره أمامه وأمام المستعمر في فرض السيطرة على منطقة أيت أمحمد وما جاورها، وربما كان يريد أيضا أن يكفر عن الخيبة التي أصابت أخاه في قهر هذا الرجل ورجاله المجاهدين، وبذلك حفظ ماء الوجه أمام المستعمر الفرنسي، هكذا وفي ظل هذه الرغبة التي كانت تجتاحه، انطلقت الحملة من دمنات متوجهة نحو أيت بوكماز وكطيوة، ثم نواحي أيت أمحمد سنة 1922، خلالها كان الكلاوي يقود جيشا متوحشا، عمل على نهب وسلب القبائل، مما ساهم في إثارة حفيظة القبائل ضده وضد المستعمر، إذ ساهمت إلى جانب المجاهدين في ردعه .
بعد وصول التهامي إلى أيت بوكماز هو والحامية الفرنسية دخلوا في مواجهات مع المجاهدين بقيادة سيدي محى أحنصال ، انتهت بهزيمة الباشا الذي فقد فيها 34 رجلا وسقط فيها 92 جريحا، وفقد 68 حصانا، بعدها دخل الكلاوي في مفاوضات مع المجاهدين انتهت بالسماح له بالتراجع والالتحاق بمنطقة بويحيى التي كانت بها الحامية العسكرية الفرنسية ،منذ 14 شتنبر 1918 والتي تم احتلالها خلال الحملة الأولى على أيت أمحمد.
وبعد هذه الهزيمة وخيبة الأمل التي رافقتها، قرر مرافقة الحملة المتوجهة إلى بين الويدان ثم واويزغت بعد أن أخد الإذن من اللواء دوكان، الذي كان آنذاك هو الضابط المسئول في مكتب أزيلال، لكن قبل مغادرته منطقة بويحيى ترك الباشا بعضا من الجند والكوم ومائة رجل من كلاوى، مزودين بمدفعين لحراسة المركز، ثم نزل إلى أزيلال متوجها نحو بين الويدان واويزغت، وقد كون في طريقه كتيبة تتكون من 2000 رجل زودهم بمدفعين من عيار 80 إلا أنه وفي طريقه دخل في مواجهات مع المجاهدين، فقد على إثر ذلك سبعة من خيرة رجاله فعاد إلى أزيلال ليقيم لهم الجنازة ثم لحق بالعقيد نوكس في منطقة بين الويدان، وبعد ذلك قرر التهامي العودة إلى دمنات .
ورغم كون التهامي الكلاوي لم يستطع القضاء على المجاهد سيدي محى أحنصال بقي جزء صغير من منطقة أيت بوكماز ونواحيها خاضعا لكلاوى، كانت قد خضعت على يد المدني، و يتبين ذلك من خلال تقسيم أيت بوكماز إلى منطقتين منطقة يحكمها الكلاوي ومنطقة يحكمها سيدي محى أحنصال . إ لا أن هذا الأخير لم يستمر طويلا في المقاومة، إذ تمت استمالته من طرف اللواء دوكان في إحدى المفاوضات التي جمعت بين الرجلين، وبذلك وفيما بعد أصبح الحنصالي أحد المساندين للكلاوي في سياسته، إلا أنه لم يستمر طويلا معه كان هذا الأخير يميل دائما إلى الهيمنة، فبقي مع الجانب الفرنسي، وقد ساهم في إخضاع قبائل أيت أمحمد وقبائل أيت بوكماز سنة 1923 ، كما ساهم هو والكلاوي، في إخضاع القبائل الحنصالية التي استمرت في المقاومة، والتي كبدت المستعمر خسائر كبيرة جدا ولم يتم إخضاعها إلا سنة 1932 بعد مواجهات عنيفة دارت بين الفرنسيين والمقاومين فيما عرف بمعركة تالمست، والتي اضطر فيها المستعمر إلى استعمال أسلحة متطورة كالطائرات نظرا لقوة المقاومة، وقد كانت هذه المنطقة أخر منطقة تخضع للمستعمر في الإقليم وكان ذلك سنة 1932.
3 كلاوى وسياسة الاستقطاب:
وبعد أن تم القضاء على جيوب المقاومة في مركز أزيلال، نهج المدني الكلاوي سياسة الاستقطاب خاصة استقطاب العناصر التي كان لها ثقل داخل قبائلها، نظرا لفطنته إلى كون ذلك سيجعله قادرا على استمالة القبائل التي ينتمون إليها، فأغلب هؤلاء كانوا من شيوخ القبائل وشيوخ الزوايا، لذا كان المدني يعمل على استضافتهم لتناول الشاي والحلوى وكان يقدم لهم الهدايا المالية ، ومن بعض تمضهرات هذه السياسة يقول الشيخ أحمد نجيب الدمناتي “…جاء ذلك الشيخ عند الفقيه شيخ من أيت مصاد ومعه كبش وبهيمة محمولة بالزرع، ومعه من أصحابه رجلان، فأدخلهم الفقيه إلى قبته ،وشرب معهم الأتاي،في كؤوس من الطاوس ،وأعطاهم القريشلات والغريبة .ولما شربوا وأرادوا الذهاب لحالهم، دفع لكل واحد منهم حفنة من القريشلات وحفنة من الغريبة، وفي الغد أتى الشيخ بكبشين للمؤنة ،وبهيمتين من الزرع للعلف، ومعه ستة من الرجال الأعيان ، فأدخلهم الفقيه إلى قبته كعادته، فقدم لهم صينية مفضضة وكؤوس الطاوس، فاستأنسوا بحديثه، وعند الافتراق زودهم بالقريشلات والغريبة أيضا، وبعد يوم جاؤوا له بثلاثة أكباش ،وثلاثة أحمال من الزرع ففعل معهم البرور والإكرام والفرح ما هو معهود ولكنهم جاؤا بخمسة عشر رجلا، حتى ملئوا القبة، وبعد هذا استقر الحال، وصاروا يقدمون في كل يوم مئونة ستة أكباش وستة أحمال من الزرع للعلف…” وقد حدث كذلك في نفس السياق حدث حاول فيه المدني الكلاوي استقطاب شيخ الزاوية الحنصالية آنذاك سيدي محى أحنصال وفي هذا الصدد يقول كذلك الحاج أحمد نجيب الدمناتي “…وهناك جاءه رجل أسود يزعم أنه عبد المرابط الحنصالي سيدي محى، فاختلى بالفقيه السيد المدني وقال، إنني وصيف للمرابط سيدي محى ،هو يسلم عليك ويشاورك على هذا الأمر، فأجابه الفقيه قائلا :سلم على المرابط وقل له:إن النصارى لا يمنعون أحدا من دينه، ولا يظلمونه في دينه ودنياه، فلتتقدم على بركة الله ، فإنك لا ترى إلا ما يسرك، فإن كنت في رتبة،فستزداد رتبتك، فزوده الفقيه بمائة ريال، صلة منه للمرابط، طالبا منه الدعاء الصالح، ودفع للعبد بدوره عشرين ريالا فضة أيضا…”
4 التمييز بين القبائل ذات العوائد العرفية وقبائل ذات أحكام شرعية:
كانت فرنسا بعد إخضاعها للقبائل تعمل على التمييز بين القبائل ذات العوائد العرفية وهي التي تتبنى العرف في تدبير شونها سواء الداخلية أو الخارجية، و إلى قبائل ذات أحكام شرعية، وقد صنفت قبائل أيت مصاد ضمن القبائل ذات العوائد العرفية، بموجب قرار وزيري مؤرخ في 16 أبريل 1928 وأخر في 3 دجنبر سنة 1932 وبموجبه أضيفت قبيلة أيت إصحا إلى القبائل ذات العوائد العرفية ، وبذلك تم الحفاظ على الأحكام العرفية التي كانت تتعامل بها القبائل، بل أكثر من ذلك عرفت بعض المناطق تأسيس محاكم عرفية، تبت في القضايا عن طريق العرف، هذه المحاكم كانت تبث في القضايا الجنحية التي كان يبث فيها الشيخ الفوقاني “أمغار نوفلا” ، واستصدار الأحكام يكون بحضور ضابط الشؤون الأهلية.
فالمستعمر كان يعمل في كل قبيلة احتلها على تعيين جماعة من شيوخ وأعيان القبيلة تكون تحت إمرة ضابط الشؤون الأهلية تسهر على تطبيق العرف هذه السياسة كان الهدف منها استمالة القبائل وإبعادها عن هويتها الإسلامية والعربية، خاصة أن العرف في بعض المناطق يتنافى ويتعارض مع الشريعة الإسلامية، فهناك قبائل في عرفها أن البنت لا ترث في أبيها، يقول عيسى العربي:” على إثر احتلال كل قبيلة من قبائل منطقة أزيلال تقوم سلطات الاستعمار بتعين جماعة من شيوخ القبيلة ومقدميها وعلى رأسهم قائد، ويخضع الجميع لسلطة حاكم الشؤون الأهلية، والهدف من ذلك هو إحكام سيطرتها على القبيلة و الاستفادة من رجالها في احتلال القبائل المجاورة…”
خلاصة القول لم تخرج منطقة أزيلال عن السياق التاريخي العام الذي عرفه المغرب خلال فترة الحماية، غير أن لهذه المنطقة وللتدخل الاستعماري فيها خصوصية، تجلت في كون السياسة الاستعمارية تعاملت مع واقع الإحتلال بإديلوجية وحنكة سياسية، جعلت المستعمر يحتل المنطقة بأقل تكلفة وبأقل الخسائر.