محمد كسوة
نظمت مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، ندوة علمية دولية، تحت الرعاية السامية لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وبمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لانتفاضة المناضل سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون، تحت شعار: ” التشريع الرباني وقضايا المرأة في ضوء التحديات المعاصرة أيام 06- 07 محرم 1445هـ موافق 24 – 25 يوليوز 2023م، بقاعة مقر الزاوية البصيريةببني عياط وبقاعة الاجتماعات بمقر عمالة إقليم أزيلال.
وحضر الجلسة الافتتاحية وفد هام يتقدمهم السيد والي جهة بني ملال خنيفرة، وعامل إقليم أزيلال، وعامل إقليم الفقيه بن صالح، والكاتب العام لعمالة إقليم أزيلال، ونائب رئيس الجهة، ورئيسي المجلسين الإقليميين لكل من أزيلال وبني ملال، ورئيس جامعة السلطان مولاي سليمان، ورئيس مجموعة الجماعات الأطلسين الكبير والمتوسط لأزيلال، رؤساء المصالح الخارجية، وفد من الأقاليم الصحراوية الجنوبية، رؤساء وأعضاء المجالس العلمية، علماء وشيوخ الطرق الصوفية وأساتذة جامعيون وأكاديميون من داخل المغرب وخارجه، وبرلمانيون ومنتخبون، ومقدمو ومريدو وأحباب فروع الطريقة البصيرية، وأعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام بإقليمي أزيلال والعيون، وأطر وأعوان مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق، ورجال الإعلام والصحافة.
وخلال الجلسة الافتتاحية، أكد الشيخ مولاي إسماعيل بصير، شيخ الطريقة البصيرية، ورئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام أن فعاليات هذه الندوة العلمية الدولية تأتي لتخليد ذكرى انتفاضة المجاهد المغربي سيدي محمد بصير، زعيم انتفاضة العيون يوم 17 يونيه 1970م ضد الاستعمار الإسباني، وهي نفسها ذكرى اختفائه القسري.
وأضاف الشيخ مولاي إسماعيل بصير أن هذه الذكرى تأتي اليوم وقد اعترفت بفضل الله ومنته، وبفضل السياسة الحكيمة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، العديد من كبريات الدول من شمال العالم وجنوبه وشرقه وغربه بمغربية الصحراء، هذه الدول العظيمة التي لم تلبس الحق بالباطل ولم تكتم الحق وهي تعلم.
وأوضح شيخ الطريقة البصيرية أنه كلما حلت هذه الذكرى كلما أيقظت في قلوب آل البصير آلام فراق واحد من أبطالها وأبطال الوطن طوال هذه المدة، وكأنه اختفى بالأمس القريب، متأسفا لكون الدولة الإسبانية ولحد الساعة لم تعترف بمسؤوليتها عن الاختفاء القسري، رغم مطالبتهم لها بالحل الودي دون تبعات أخرى، وتأسف مرة أخرى كون شرذمة البوليزاريو لازالت تستغل اسم المناضل محمد بصير أبشع استغلال دون وجه حق لمدة خمسين عاما، وذلك لأن إعلان دويلتهم المزعومة كان بعد اختفائه بثلاث سنوات، فسهل عليهم أن يلصقوا به ما أرادوا من تلفيق وتزوير، فلولا هذه الرعاية السامية المتواصلة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره لذكرى المجاهد سيدي محمد بصير ولقضيته لما جبر الضرر المعنوي الذي نشعر به جراء كل ذلك.
وقال مولاي إسماعيل بصير، إن كان أعضاء فرع مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام بمدينة العيون نظموا-مشكورين- أنشطة إشعاعية مهمة احتفاء بالذكرى في يومها، وذلك بتنظيم مائدة مستديرة حول الفقيد، وبرمجة لقاء خاص حوله مع قناة العيون الجهوية، موضحا أن هذا الملتقى الفكري الكبير الذي تنظمه المؤسسة كل عام لمناقشة موضوع راهني مهم نافع، يهم الفرد والمجتمع والوطن والأمة جمعاء، ويثير إشكاليات عديدة، لتكون محورا للنقاش بين السادة العلماء والشيوخ والأكاديميين المشاركين.
وأوضح مولاي إسماعيل أن تنظيم ملتقى هذه السنة تحت شعار: ” التشريع الرباني وقضايا المرأة في ضوء التحديات المعاصرة “. راجع لأننا في العام الماضي طرقنا موضوع: “أهل التصوف والإشكاليات المعاصرة للطفولة والشباب “، وبقي إذن أن نتمم الكلام بمناقشة موضوع المرأة باعتبارها أساس الأسرة ولبنتها الأولى، وأقوى وأهم حصن يقي المجتمع عادية أي سوء قد يطوف بها أو يتسرب إليها، خاصة أنها المصدر الأول لتربية الأطفال.
وأكد رئيس مؤسسة محمد بصير تناول هذا الموضوع يستمد أهميته، مما خص به مولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس المرأة المغربية من الحيز الكبير من خطاب العرش للعام الماضي، حيث أمر جلالته بضرورة النهوض بوضعية المرأة والأسرة، وشدد على مشاركتها الكاملة في كل المجالات، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها، وكامل حقوقها القانونية والشرعية، وشدد جلالته على ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضيات مدونة الأسرة، وتجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية،كما قال جلالة الملك حفظه الله.
وزاد من أهمية التذاكر حول هذا الموضوع، يضيف مولاي إسماعيل بصير، لما رأينا اللغط كثر في هذه الأيام من قبل فئة قليلة في المجتمع، تتضمن بعض الكتاب والباحثين من الحقوقيين والمؤثرين المغرضين وغيرهم، الذين يسعون بكل ما أوتوا لإلزام الفئة العظمى من المجتمع بوجهة نظرهم في مسائل بعينها لتقنينها في المدونة الجديدة، باسم الانتصار للمرأة والدفاع عنها بانتقاد أحكام التشريع الرباني، والترويج بأنه بخس حقوق المرأة ولم ينصفها فيما قرر لها من حقوق وألزمها به من واجبات، ويؤازرهم في ذلك أعداء الدين الذين يراهنون على موضوع المرأة لفرض التربية المطلوبة، وإحلالها محل التربية الإسلامية بقصد بلوغ أهدافهم المسمومة المرسومة في مختلف المجتمعات الإسلامية، وكأن هؤلاء سيكونون ألطف وأرحم وأعطف على المرأة من خالقها أرحم الراحمين، وصدق الله العظيم إذ يقول: “يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”.
وشدد مولاي إسماعيل بصير في ذات الكلمة مخاطبا المتاجرين بقضايا المرأة “أن المملكة المغربية الشريفة بلد مسلم، وأن دين الإسلام هو دين الدولة الرسمي بحكم الدستور، وأن مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله قال في خطاباته المؤطرة لتعديل مدونة الأسرة سنة 2004م وسنة 2022م:” بصفتي أميرا للمؤمنين لا أحل حراما ولا أحرم حلالا”، وفي هذه الجملة المختصرة ما فيها من حمولة مرجعية، فبدل أن يقوم هؤلاء باتهام التشريع الرباني بالتعسف والظلم في حق المرأة، كان عليهم اتهام أنفسهم بالجهل وسوء الإدراك”.
وأشار شيخ الطريقة البصيرية إلى أنه لا أحد من العقلاء يستطيع إنكار التحديات الكبرى التي أصبح يطرحها هذا الموضوع في مجتمعنا بل في العالم كله، بدءا من الاختلالات التي يعرفها موضوع تربية النشء، والذي تشرف عليه المرأة في المقام الأول، حيث غدت العديد من النساء تتبرم منه في أيام الناس هذه، ومؤسسة الزواج ذات القدسية التي أصبح يتقلص شأنها بين الشباب، حيث أصبحت رابطة الصداقة بين الذكر والأنثى هي البديل في الجيل الجديد، وهو ما أصبح يصطلح عليه بالعلاقات الرضائية التي يطالب البعض برفع التجريم عنها،بل إن العلاقة بين الذكر والذكر والأنثى بالأنثى هي التي أصبحت بديلا، وهي التي أصبح يروج لها للأسف الشديد.
وأضاف، أن هذا وغيره كثير جعل المجتمع يتحول إلى ساحة للقطاء وأطفال الملاجئ والخيريات الذين ارتفعت نسبتهم، كما ارتفعت نسبة العنوسة، وتزايد عدد حالات الطلاق، حيث وصلت إحصائياتها إلى حوالي ثمانمائة حالة طلاق كل يوم في مجتمعنا، وانتشر الزواج السري أو ما يعرف بزواج الفاتحة، وظهر ما يعرف بظاهرة الأمهات العازبات، مما كان سببا في ضياع الكثير من حقوق النساء، أضف إلى ذلك بروز الجرائم الجنسية الكثيرة كالعنف والخطف والاغتصابات والأمراض بل والعاهات والانتحارات وغيرها من المآسي المرعبة التي أصبحنا نسمع عنها في هذا الجانب، والتي اجتاحت مجتمعنا،وستؤدي حتما إلى انهيار ودمار وتفكك الأسرة، وبالتالي إلى كل أشكال الفساد الاجتماعي.
وقال ذات المتحدث إنه لكل هذه الأسباب أصبح واجبا على الجميع وكل من لديه غيرة على التشريع الرباني، وبخاصة أهل العلم ومن في حكمهم تناول قضايا المرأة بالإيضاح والبيان والمناقشة المنطقية المبنية على الإقناع بالأدلة والبراهين، حتى تزول كل الإشكالات التي يطرحها الموضوع، بدأ من مسألة المساواة بين الذكر والأنثى التي ركز عليها المتهافتون والمنتقدون للتشريع الرباني، كونه ظلم المرأة وفضل عليها الذكر في مسائل عدة، كالقوامة التي يطالبون أن تصبح بيد المرأة أيضا، والميراث الذي يطالبون فيه بالتساوي في كل شيء وإلغاء نظام التعصيب، والصلاحيات التي أعطيت للرجل عند نشوز زوجه ولم تعط للمرأة، واتهام الشارع الحكيم بالتحيز إلى الرجل في علاقة ما بينه وبين المرأة في ظل الحياة الزوجية حيث وضع شرعة الطلاق بيده، وأن التشريع الرباني كبل المرأة بأثقال الحجاب، وأنه قلل من شأنها في العديد من النصوص، وأنه أعطى الرجل حق التعدد ولم يعطه للمرأة، وأنه لم يساوي بينهما في الشهادة وغيرها. مما ينم عن جهل واضح فاضح بأحكام التشريع الرباني وتفصيلاته.
وشدد مولاي إسماعيل على أنه أصبح لزاما أن ننتبه، وأن نستفيق ونعمل بجد لتساير أحكام الأسرة هذا التطور الحاصل في المجتمع لمجابهة مختلف المخاطر المحدقة، بدءا بسن الإلزام في مسألة تعليم وتكوين البنات، وتكوين المقبلين على الزواج بشكل عام في مجال الإرشاد الأسري وإصلاح ذات البين، ومأسسة الوساطة الأسرية، وفرض اللجوء إليها قبل البت في حالات الطلاق، والإكثار من حصص التوعية والتحسيس في كل هذه الجوانب وغيرها من الجوانب ذات الصلة.
ونوه شيخ الطريقة البصيرية بالعناية الشاملة والموصولة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس – نصره الله وأيده – بكل القضايا المتعلقة بالمرأة، إيمانا من جلالته بأن العناية بالمرأة جزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة لبناء مجتمع ديمقراطي حديث، وأنها تعتبر أقوى وأهم حصن يقي المجتمع من أي سوء قد يتسرب إليه، ابتداء من إشراف جلالته الفعلي على إصلاح مدونة الأحوال الشخصية، التي كرست الاستثناء المغربي، حيث جمعت بين تعاليم التشريع الرباني وحقوق الإنسان، وحققت للمرأة المغربية مكتسبات مهمة ارتقت بصورتها ومكانتها إقليميا ودوليا، مرورا بإشراكها في مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب، وما كان له من مكاسب عديدة للمجتمع والوطن، علاوة على العمل على تعزيز الحقوق والخدمات الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، من خلال إنشاء وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وما تلاه من استفادة المرأة من قانون الحماية الاجتماعية، كل ذلك وغيره كثير عمل على تقوية مؤسسة الأسرة وتماسكها، وبوأ مولانا أمير المؤمنين بحق تصدر كل المبادرات الداعمة لحقوق النساء بالمغرب.
وقال شيخ الزاوية البصيرية:” حسبي أنني أشرت لأغلبية قضايا المرأة والتحديات المتصلة بها ذات الصبغة الراهنية، وأملي كبير في السادة العلماء والأكاديميين المشاركين أن يتناولوها بما تستحق من المناقشة والتحليل والبيان ليظهر إذن أن التشريع الرباني كان ولايزال هو الحفي بالمرأة، الراعي لحقها، الحارس لكرامتها، المحافظ على أنوثتها”.
واغتنم فرصة احتفال المغاربة بذكرى عيد العرش المجيد لهذه السنة ليرفع إلى مقام مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أخلص عبارات الطاعة والولاء وأصدق مشاعر المحبة والإخلاص والوفاء متمنين لجلالته دوام الحفظ والنصر والتأييد.
وختم كلمته بتوجيه الشكر الجزيل المقرون بالاعتراف بالجميل للسيد والي ولاية بني ملال خنيفرة، وعامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال على تنسيقهما ومتابعتهما لأمر هذا اللقاء وحرصهما على نجاحه، وعلى دعمهما الدائم لأنشطة المؤسسة، وأسأل الله لهما التوفيق والسداد والعون،وأن يجعلهما عند حسن ظن مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله،كما شكر أعضاء المجلس الأكاديمي للمؤسسة وأعضاء فرع المؤسسة بالعيون بشكل خاص على ما يقومون به من أنشطة مختلفة لتنشيط الحياة العلمية والثقافية والعمل لأجل نفع الساكنة بمدينة العيون.
وجدير بالذكر أن الجلسة الافتتاحية عرفت حفلا لتتويج وتكريم الطلاب الناجحين في الباكلوريا بمدرسة الشيخ سيدي إبراهيم البصير الخاصة للتعليم العتيق.