محامون وأساتذة جامعيون يقاربون موضوع “عولمة مهنة المحاماة: التحديات والآفاق” في ندوة ببني ملال(فيديو)
محمد كسوة
نظمت منظمة المحامين التجمعيين فرع جهة بني ملال خنيفرة بتنسيق مع التنسيقية الجهوية لحزب التجمع الوطني للأحرار ندوة وطنية حول: “عولمة مهنة المحاماة: التحديات والآفاق” يوم الأربعاء 23 أبريل 2025، بمقر الحزب ببني ملال، وتميزت هذه الندوة بمشاركة وزير العدل الأسبق الأستاذ محمد أوجار إلى جانب مجموعة من الأساتذة الجامعيين والباحثين والمحامي.
وتأتي هذه الندوة في إطار النقاشات الوطنية المفتوحة حول مستقبل المهن القانونية في ظل تسارع وتيرة التحولات العالمية، والانخراط المتزايد للمغرب في المنظومة القانونية والاقتصادية الدولية.
وبهذه المناسبة، أكد الأستاذ محمد أوجار، وزير العدل الأسبق وعضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، أن العولمة أصبحت واقعا جديدا لا مفر منه، وأن هذه العولمة أنتجت وتنتج أسئلة حارقة وصعبة، مضيفا أنه ” أصبحنا في فضاء تحكمه نفسه القوانين والطموحات والأنظمة، نحن أمام عولمة فرضت حرية التجارة، وتنقل البضائع والرساميل ولكن للأسف وضعت قيودا على تنقل البشر، وهذه العولمة أنتجت نظاما قضائيا دوليا”.
وطالب أوجار بضرورة التعامل مع نظام العولمة باحتراز فكري وبمناعة سياسية وبانتباه شديد لما تحمله لنا قيم قد تصادم قيمنا الإسلامية والوطنية، فالعالم تنتج حرية مبالغ فيها، ولكن لاخيار أمامنا إلا أن نكون جزء من هذا العالم المتحول.
وأبرز أوجار أن المغرب يعرف تطورات كبيرة بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، حيث ارتقى المغرب في عهده إلى مراتب الصدارة في الهيكلة الجديدة للعالم، وهو حاضر في كل الفضاءات الجغرافية كبلد مؤثر ومحترم ويحمل تصورا للحوكمة العالمية، حيث أصبح يُثنى عليه في المحافل الدولية لطابعه الديمقراطي، فهو اليوم عنصر مؤثر في الأمم المتحدة، وأول مستثمر عمومي في إفريقيا، وشريك رئيسي في عمليات حفظ السلام على المستوى الدولي”.
وشدد أوجار على “أن العدالة هي الملجأ الأخير لكل من يشعر أن ظلما قد طاله، ولهذا لا يمكن أن نترك مستقبل العدالة للبرمجيات والذكاء الاصطناعي.
وقدم الأستاذ الدكتور امحمد أقبلي، أستاذ التعليم العالي، محام بهيئة خنيفرة، ورئيس جماعة أجلموس، مداخلة علمية تحت عنوان: “عولمة مهنة المحاماة: بين السيادة القانونية ومتطلبات السوق العالمية”.
وقد بسط الدكتور أقبلي مداخلته من خلال عشرة محاور رئيسية، جمعت بين البعد النظري والاستشراف العملي أولها: السيادة القانونية الرقمية: حيث ناقش كيف أصبحت الحدود الجغرافية غير كافية لحماية الممارسة القانونية في عصر المنصات والعقود العابرة للحدود، مما يتطلب تأهيل المحامي لمواجهة تحديات القانون السيبراني.
وثانيها: أموَلة المهنة القانونية: وتناول فيها التحول الذي تعرفه بعض مكاتب المحاماة إلى شركات استثمارية، وما يطرحه ذلك من إشكالات تتعلق باستقلالية المهنة وأخلاقياتها.
أما المحور الثالث فتناول فيها تعددية الأنظمة المرجعية: حيث أصبح المحامي مطالبًا بالإلمام بأنظمة قانونية متعددة، وطنية ودولية، لمواجهة التعقيد المتزايد في النزاعات العابرة للحدود.
ورابعها، الحوكمة المهنية العالمية: في إشارة إلى بروز هيئات مهنية دولية، تستدعي من التنظيمات الوطنية مراجعة أدوارها والانفتاح على الشراكات العابرة للحدود.
والخامسة، الأمان القانوني في بيئة معولمة: حيث تزداد الحاجة إلى محامٍ قادر على طمأنة المتقاضي في عالم مليء بالتناقضات القانونية وسرعة التغيرات.
أما المحور السادس فيتعلق بأخلاقيات المهنة عبر الثقافات: بالنظر إلى اختلاف القواعد الأخلاقية من بلد إلى آخر، ما يفرض على المحامي وعيًا مضاعفًا عند الاشتغال في بيئات قانونية متعددة.
والسابع تناول فيه التنافسية القانونية الدولية: والتي تطرح سؤال جاهزية المحامي المغربي للمنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية، من خلال تطوير الكفاءات والآليات المؤسساتية.
والمحور الثامن تمحور حول مرونة التنظيم المهني: عبر الدعوة إلى مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي للمهنة، بما يسمح باحتضان أنماط جديدة للممارسة، كالمحامي الرقمي والاستشاري.
وتوقف الدكتور أقبلي في المحور التاسع عند المحامي كوسيط اقتصادي عالمي: حيث أبرز الدور الجديد للمحامي كفاعل في المجال الاستثماري والتجاري، وليس فقط القضائي.
وختم مداخلته بالتركيز على العدالة الرقمية والترافع الإلكتروني: من خلال التطرق إلى تحديات الترافع عن بُعد، وضمان حقوق الدفاع في بيئة رقمية، مستشهدًا بتجربة المغرب الرائدة خلال فترة جائحة كوفيد-19.
وقد خلُص الدكتور أقبلي إلى أن عولمة مهنة المحاماة لم تعد خيارًا، بل ضرورة يفرضها الواقع، داعيًا إلى الانتقال من منطق التلقي إلى منطق الفعل والمبادرة، من خلال تأهيل المهنة، والانفتاح على الممارسات الفضلى عالميًا، مع التشبث بالخصوصية الوطنية وقيم الاستقلال والمهنية.
ومن جانبه، سلط عبد الصادق أيت معطى الله، نقيب المحامين ورئيس منظمة المحامين التجمعيين، الضوء على العديد من المحاور والتحديات المتعلقة بالعولمة، منها التحديات المهنية والتنافسية، واندماج المحامين المغاربة في النظام البيئي الدولي، والتحدي الرقمي والتكنولوجي، واللجوء إلى الذكاء الاصطناعي في تحليل النصوص القانونية، وضرورة إعادة تأهيل المحامين في مجال الرقمنة.
وأضاف أيت معطى الله “اليوم، نحن مطالبون بالانقراض في نظام العولمة مع الحفاظ على أخلاقيات مهنة المحاماة وهويتنا المغربية، بالإضافة إلى ذلك، يجب على المحامي أن ينفتح على بيئته الخارجية لمواكبة التكنولوجيات الجديدة التي تغير عالمنا، مهنة المحاماة هي ركيزة تعزيز دولة القانون”.
أما منسق التجمع الوطني للأحرار بجهة بني ملال خنيفرة، خالد المنصوري، فقد أشار إلى أن هذا اللقاء العلمي يندرج في إطار الديناميكية الجديدة التي تعرفها الهيئات الموازية للحزب على المستويين الجهوي والوطني..
وأوضح المنصوري أن المنظمات الوطنية للتجمع الوطني للأحرار تلعب دورًا رئيسيًا في تأطير وتكوين المواطنين والمواطنات لتمكينهم من المشاركة في إدارة الشؤون العامة واتخاذ القرارات بالوسائل الديمقراطية وفي إطار المؤسسة الدستورية والقوانين الجاري بها العمل، بالإضافة إلى مواكبة الملفات المطروحة للنقاش العام…”.
وشددت كلمة المصطفى الرداد، نائب برلماني وعضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، على أهمية مهنة المحاماة التي اعتبرها أحد أجنحة العدالة الأساسية، مستحضرا أهم المشاريع الكبرى التي أطلقتها الحكومة الحالية في مجال التعليم والصحة والعمل والعدل… وفقًا للتعليمات الملكية السامية.
وأضاف الرداد أن “الحكومة الحالية كانت في مستوى تطلعات المواطنين الذين وضعتهم في صلب أولوياتها (الدولة الاجتماعية، والزيادة في الأجور، والدعم الاجتماعي، والحماية الاجتماعية… كلها مشاريع كبيرة نحن جميعًا فخورون بها والتي تبشر بمستقبل واعد…”.
وتناولت مداخلة الأستاذ محمد اليماني، نقيب المحامين بهيئة بني ملال ورئيس منظمة المحامين التجمعيين فرع جهة بني ملال خنيفرة، واقع وآفاق انفتاح مهنة المحاماة في المغرب في سياق العولمة والرقمنة.
وتساءل اليماني هل القانون رقم 28-08 المنظم لمهنة المحاماة يلبي جميع تطلعات المحامين ويتوافق مع واقع المهنة؟ موضحا أن الجواب على هذا السؤال يهدف إلى أن يكون مرآة للحاضر المهني، وإسقاطًا لمستقبله، وانفتاحًا على النماذج الجديدة التي تفرض نفسها الآن على ممارسة هذه المهنة”.
وبعد ذلك، قام المحامي اليماني بتحليل القانون 28-08، مؤكدًا على ضرورة إنشاء معهد وطني للمحامين، وتحديث النصوص المتعلقة بمشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة وتكوين المحامين في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة، لتمكينهم من اكتساب المهارات والأدوات اللازمة لمواكبة التطورات العالمية والتقنيات الحديثة في مجال المعلومات والاتصال.