نبيل اليحياوي
تعود الفيضانات مرة أخرى لتضرب بقوة دواوير ومجالات أيت بوكماز وأيت عباس وأيت بوولي بإقليم أزيلال، حاملة معها الأوحال والمياه والحجارة، ومخلّفة أضرارًا جسيمة في البنية التحتية والحقول والتجمعات السكنية. وبينما تترنح المنطقة تحت وطأة السيول المتكررة، تعود إلى الواجهة مطالب السكان والخبراء على حد سواء: “أين السدود التلية؟”.
في كل مرة، تُفاجأ السلطات والساكنة معا بكارثة طبيعية تَكشف ليس فقط هشاشة البنية الطرقية، بل غياب الحماية المسبقة عبر البنيات التحتية الضرورية لمواجهة سيناريوهات باتت متكررة، وليس استثنائية.
السدود التلية، التي يُفترض أن تكون خط الدفاع الأول ضد عنف الفيضانات، ما تزال شبه غائبة أو غير مؤهلة في هذه المناطق الوعرة. وهي التي كان يمكن أن تحتجز “الضربة الأولى”، وتحمي ما تبقى من التربة وحقول التفاح والبطاطس، والمحاصيل الزراعية المعاشية التي تُعد مورد الرزق الرئيسي لساكنة الجبال.
ففي زمن تتردد فيه العواصف الرعدية والفيضانات العارمة كل سنة، مثل تلك التي عاشتها المنطقة في صيفي 2024 و2025، تبدو الحاجة ملحة إلى تسريع تشييد وتوسيع السدود التلية والصغرى، ليس فقط لحماية الأرواح والممتلكات، بل أيضًا لتثمين المياه وتخزينها بشكل ذكي، يمكّن من استعمالها لاحقًا في الري أو توليد الطاقة.
الخبراء يؤكدون أن “التدخل ينبغي أن يكون قبليًا، لا بعد فوات الأوان”، مشددين على ضرورة تجهيز المناطق المعروفة بخطورتها المناخية، بتقنيات هندسية وقائية قادرة على امتصاص الصدمة الأولى. ويذهب بعض المهتمين إلى اعتبار غياب هذه المنشآت تقصيرًا في زمن تتزايد فيه الكوارث الطبيعية بسبب التغيرات المناخية والاحتباس الحراري.
إن إقامة السدود التلية في أعالي الأودية، وتوجيه مياهها بعقلانية نحو سدود أو بحيرات صناعية صغيرة، يمثل حلاً بيئيا وتنمويا مستداما. فإلى جانب دوره في الوقاية من الفيضانات، يساهم هذا النوع من السدود في تغذية الفرشة المائية، وإنعاش الأنشطة الفلاحية، وتوفير احتياطي استراتيجي لمجابهة فترات الجفاف.
في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، لم تعد هذه المشاريع خيارًا ثانويا، بل أولوية قصوى ضمن أي تصور تنموي للجهة، خصوصا في العالم القروي والجبلـي، حيث الهشاشة المناخية والبنيوية تضاعف من حجم الخطر، وتختبر جدية ونجاعة السياسات العمومية في حماية الإنسان والمجال.