أطلس سكوب ـ أزيلال
شهدت المحكمة الابتدائية بأزيلال، صباح أمس الأربعاء فاتح أكتوبر 2025، لقاءً تواصليا للخلية المحلية المكلفة بمحاربة الهدر المدرسي، تحت شعار: “مكافحة الهدر مسؤولية وتحدي”.
الاجتماع ترأسته الأستاذة شيماء أقصبي، نائبة وكيل الملك، وحضره نائب رئيس المحكمة، قضاة من رئاسة المحكمة والنيابة العامة، ممثلون عن الضابطة القضائية للأمن الوطني والدرك الملكي، إلى جانب أطر ومسؤولين من قطاع التربية الوطنية، ومستشارين في التوجيه والتخطيط، وعدد من الفاعلين.
شيماء أقصبي: “التعليم حق دستوري.. والهدر يهدد مستقبل أجيال”
وفي بداية اللقاء، أكدت ميسرة اللقاء ورئيسة اللجنة المحلية، الأستاذة شيماء أقصبي نائبة وكيل الملك بالمحكمة، أن ابتدائية أزيلال تحرص على التدخل لمعالجة الوضعيات التي يكون فيها الأطفال عرضة للهدر المدرسي، مؤكدة أن الجهاز القضائي بأزيلال شريك أساسي في محاربة الهدر المدرسي، ويعمل على البحث عن مكامن الخلل لاجتثاث الظاهرة التي تعتبر مسؤولية على عاتق المتدخلين من قضاء وقطاع التعليم وسلطات محلية ومجتمع مدني.
وأضافت أن ظواهر اجتماعية مثل زواج القاصرات، تشغيل الأطفال، الفقر، وبُعد المؤسسات التعليمية عن الدواوير النائية ، كلها عوامل تدفع الأطفال نحو مغادرة المدرسة مبكراً.
إحسان زهير: أرقام صادمة وصورة مثيرة للقلق
الأستاذة إحسان زهير، قاضية الأسرة بالمحكمة الابتدائية، عرضت معطيات وصفتها بـ”الصادمة”، إذ أشارت إلى أن حوالي 280 ألف تلميذ يغادرون المدارس سنوياً على الصعيد الوطني.
وأوضحت أن الظاهرة تتضاعف حدتها بالوسط القروي والهامشي، لتفرز نتائج خطيرة: تفشي الأمية، البطالة، والهشاشة الاجتماعية، بل وتغذية دوائر الانحراف والجريمة.
القاضية زهير ذكّرت أيضاً بالشراكة الموقعة بين وزارة التربية الوطنية ورئاسة النيابة العامة، والتي جاءت لتفعيل إعلان مراكش 2020 الهادف إلى ضمان إلزامية التعليم إلى حدود 16 سنة.
الأمن الوطني: المدرسة خط الدفاع الأول ضد الانحراف
الضابط بوشتى ربيب، ممثل الأمن الوطني، شدد بدوره على أن الهدر المدرسي يشكل خطراً يتجاوز المدرسة، قائلاً: “كل تلميذ يخرج من المدرسة بلا شهادة ولا تكوين، قد يصبح مشروع ضحية للبطالة، أو ينزلق نحو الجريمة والانحراف”.
وأشار إلى أن المديرية العامة للأمن الوطني ترافق المؤسسات التعليمية بعدة مبادرات، من بينها تأمين محيط المدارس، محاربة المخدرات والعنف، وتنظيم لقاءات تحسيسية لفائدة التلاميذ.
جبران الرامي: التعليم: إجراءات عملية ومرجعيات مؤطرة
المستشار التربوي جبران الرامي عرض جملة من التدابير التي يباشرها قطاع التعليم.
وأكد الأستاذ جبران أن المديرية الإقليمية للتعليم بأزيلال، في إطار القانون الإطار 51.17 وخارطة الطريق 2022-2026، تعمل على تنزيل سلسلة من الإجراءات لمواجهة الهدر المدرسي وتجويد التعلمات. وتشمل هذه التدابير تعميم التعليم الأولي، دعم التلاميذ في وضعية صعبة، إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوسيع العرض التربوي. كما يجري تنفيذ مشروع “مدارس الريادة”، وتفعيل خلايا اليقظة، وقوافل التعبئة المجتمعية، مع فتح مسارات بديلة كالتربية غير النظامية وإعادة التوجيه.
حسن سهيل: التشخيص العميق من داخل التخطيط
ممثل مصلحة التخطيط بالمديرية الإقليمية للتعليم بأزيلال الاستاذ حسن سهيل قدّم مداخلة مطولة حملت بعداً تحليلياً، حيث اعتبر أن الهدر المدرسي ليس مجرد أرقام، بل مرآة لعدة اختلالات:
اقتصادية: الأسر تعاني من كلفة التمدرس رغم مجانية التعليم، بما في ذلك النقل واللوازم.
اجتماعية: زواج الفتيات المبكر، ثقافة تفضيل اليد العاملة على التعلم.
تربوية: مناهج لا تراعي الفوارق الفردية، غياب الدعم البيداغوجي الكافي، ضعف التأطير النفسي والتوجيهي.
الاستاذ سهيل شدد على أن الحلول تتطلب مقاربة متعددة القطاعات، وليس الاقتصار على المدرسة، ودعا إلى:
وأوضح الأستاذ حسن سهيل، أن محاربة الهدر المدرسي تظل ورشا صعبا يتداخل فيه الاجتماعي والجغرافي والثقافي والأسري، ما يجعل معالجته تتطلب رؤية شمولية. وأكد أن المديرية تبذل مجهودات مهمة في هذا الصدد، من خلال إدماج التعليم العتيق في العمومي، واستقبال الوافدين من الخارج، وتمكين الحاصلين على شهادات الابتدائي والإعدادي من متابعة دراستهم بالمستويات الموالية. كما يتم البت في ملفات الاستعطاف داخل المجالس التربوية، مع تفعيل شراكة مع النيابة العامة بخصوص منح شواهد المغادرة في حالات النزاعات الأسرية. وأبرز سهيل ضرورة تغيير مقاربة الاستعطافات، ومعالجة مشكل الاكتظاظ، وتحميل الأسر والقطاعات الأخرى مسؤوليتها، مع توسيع العرض التربوي وتعزيز النقل والإيواء قصد الحد من الظاهرة.
“المدرسة ليست وحدها في المعركة”
لقاء الخلية المحلية بالمحكمة الابتدائية بأزيلال خلص إلى قناعة مشتركة: أن مواجهة الهدر المدرسي تتطلب تعبئة جماعية، تضم القضاء، الأمن، التعليم، الجماعات الترابية، المجتمع المدني، والأسر.
وأجمع المتدخلون أن “المدرسة ليست فقط مكاناً للتعلم، بل حصنا يحمي أبناءنا من الفقر والانحراف”، وأن الاستثمار في بقاء التلميذ داخل القسم هو استثمار في تنمية الوطن واستقراره.